بحث مقدم من الأستاذ الدكتور / أمير صالح رئيس الجمعية الأمريكية للعلوم التقليدية و استشارى العلاج الطبيعى والطب البديل مقدمة أن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهديه الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أشهد أن محمدا رسول الله وبعد يقول المولى سبحانه و تعالى فى محكم التنزيل ﴿ وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ (البقره) 282 أى أن شرط العلم من الله هو التقوى وأن العلم منحة ومنة من الله يختص بها من عباده من يشاء فها هو رسول الله خير من اتقى يقول المولى سبحانه وتعالى له ﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ﴾ (النساء)113. وأختص سبحانه وتعالى من عباده من تفضل عليه بعلوم الدنيا والدين الذين جعلوا خدمة الناس ونفعهم هدفاً بعد رضاء الله عز وجل واستمدوا ذلك بأتباع ما ورد فى كتاب الله وفى سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم . ففى عهد النهضة الإسلامية وأخص بذلك فترة الخلافة الإسلامية فى الأندلس قدم المسلمون الكثير من العلوم النافعة للغرب وسوف أستعرض فى بحثى هذا أهم مراحل النهضة العلمية فى الأندلس وأخص بها النهضة الطبية . التقوي خلق الله الخلق بين الذكر والأنثى أنساباً وأصهاراً وقبائل وشعوباً وخلق لهم منها التعارف ، وجعل بها التواصل للحكمة التي قدرها وهو أعلم بها ، فصار كل أحد يحوز نسبه ، فإذا نفاه رجل عنه استوجب الحد بقذفه ، مثل أن ينفيه عن رهطه وحسبه. كما أن جميع العقلاء يتفقون على أن العلم هو طريق التقدم فى عصرنا وإذا لم نأخذ بأسباب العلم فأننا لن نجد لنا مكانا بين الأمم ونتوارى عن حركة التاريخ لفترة حتى نعود إلى أمجادنا السابقة . وفي قوله تعالي:- ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِير ﴾ ٌ(الحجرات) 13 (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى) آدم وحواء (وجعلناكم شعوبا) جمع شعب بفتح الشين هو أعلى طبقات النسب (وقبائل) هي دون الشعوب(لتعارفوا) حذف منه إحدى التاءين لتقارب المبنى و المعنى ليعرف بعضهم بعضا لا تتفاخروا بعلو النسب وإنما الفخر بالتقوى (إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم) بكم (خبير) ببواطنكم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله لا ينظر إلى أحسابكم ولا إلى أنسابكم ولا إلى أجسامكم ولا إلى أموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم فمن كان له قلب صالح تحنن الله عليه وإنما أنتم بنو آدم وأحبكم إليه أتقاكم " إن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "انظر فإنك لست بخير من أحمر ولا أسود إلا أن تفضله بتقوى الله" تفرد به أحمد رحمه لله. والتقوى كما عرفها علماء الامه هي "الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والاستعداد ليوم الرحيل"، فأي عالم يجعل الخوف من الله هو أساس علمه فلا يجرؤ على القيام بعمل فيه ضرر للبشرية وأي عالم ينتهج منهج الكتاب والسنة فلن يخالف شرائع الدين وأحكامه وأي عالم يستعد بعمله في كل لحظة للرحيل من هذه الدنيا الفانية إلى الحياة الدائمة الباقية سيعمل دائما على غرس الخير في الأرض والحرص على نفع البشرية قاطبة. فسار علماء الأمة على هذا المنهج الرباني في تقوى الله في تحصيل العلم ونفع البشرية. والمولى عز وجل جعل التقوى أساس المعية أى من أراد أن يكون مع الله عليه أن يلزم التقوى . ﴿ إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُون ﴾ َ(النحل) 128 وفى موضع أخر من كتاب الله يأمر المولى سبحانه وتعالى عباده بالتقوى ويعلمهم أنه مع المتقين . ﴿ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِين ﴾ َ (البقرة) 194 أمر لهم بطاعة الله وتقواه, وإخباره بأنه تعالى مع الذين اتقوا بالنصر والتأييد في الدنيا والاخرة، واعلموا تعني هنا تيقنوا أن الله سبحانه وتعالي معنا في كل وقت أي لابد أن نعلم علم اليقين أن الله معنا ونستشعر المراقبة الدائمة إلا بمن فزع علي الله تعالي أي لا منجا ولا ملجأ منه إلا إليه. والتقوي ربطها رب العالمين باللجوء إليه تعالي أي كل النجاة منه سبحانه وتعالي وأيضاً ربطها بالصدق في قوله تعالي:- ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِين ﴾ َ (التوبة) 119 (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله) بترك معاصيه (وكونوا مع الصادقين) في الإيمان والعهود بأن تلزموا الصدق و اصدقوا والزموا الصدق تكونوا من أهله وتنجوا من المهالك, ويجعل لكم فرجاً من أموركم ومخرجاً. ومن فيض كرم المولى علينا أن جعل من التقوى لنا لباسا لتكون للمؤمنين غطاء ووقاية فى هذه الحياة . ﴿ يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُون ﴾ َ(الأعراف) 26 وجعل من التقوى الزاد والغذاء بعدما أكتسى بها الإنسان وتحلى بها مع الإيمان . ﴿ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ ﴾ (البقرة) 197 وجعل المولى سبحانه و تعالى من التقوى أساسا لبنيان المسلم حيث يرتكز عليه. ﴿ أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِين ﴾ َ(التوبة) 109 التقوى والعلم.. كالشجرة وثمرتها.. فثمرة شجرة التقوى المباركة حصول العلم.. والتوفيق في التحصيل والطلب .ويالها من ثمرة مباركة جنية.. يمن بها الكريم الوهاب -سبحانه وتعالى- على المتقين.. ولا عجب، فقد قال تعالى ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ (الحجرات) 13، فكلما زادت التقوى يكون الكرم الرباني، فيا ايها الطامحون بالعلم، اتقوا الله واستزيدوا من تقواه عز وجل. ولنتذكر دائماً هذه الحقيقة الكبيرة: من عمل بما علم ورَّثه الله علم مالم يعلم..ويؤكد هذا حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم عندما طلب منه شخص أن يوصه، فكان جواب الحبيب له "أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ، فَإِنَّهُ رَأْسُ الأمْرِ كُلِّهِ". فعبادة الله التي نريد هي عبادته على علم و هدى و هذا يتأتى بتقوى الله تعالى حيث يقول ﴿ وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ (البقره) 282. و يقول سبحانه و تعالى موضحا طريق الدعوه اليه ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكْمَةِ وَالمْوعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَدِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ%"(النحل) 125 وفى ختام هذه المقدمة أسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفع بهذا البحث كل من قرأه وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.