ملخصات أبحاث المؤتمر الدولي الثاني للطب النبوي التطبيقي
النواحي الوقائيه فى الطب النبوي كلمة الدكتور محمد على البار
لقد وردت أحاديث كثيره فى باب التداوى مما بوب له اهل علم الحديث كالإمام مسلم والترمذى والنسائى وجعلوه ضمن كتبهم المشهوره فى الحديث فمثلا صحيح البخارى على (113) حديثا فى الطب. وقد جمعها البخارى فى كتاب الطب من صحيحه وكذلك فعل الامام مسلم وبقية علماء الحديث. ثم ظهر مجموعه من العلماء افردوا الاحاديث الوارده فى الطب النبوى بكتاب مستقل واول من فعل ذلك الامام على الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق (153-205هـ/ 770 – 820م), ووضع رساله صغيره فى حفظ الصحه وضمنها الاحاديث النبويه المتعلقه بموضوعاتها دون ان يذكر نص الحديث. وقد قمت بشرح هذه الرساله وذكر الاحاديث التى اشار اليها وهى الرساله المشهوره باسم الرساله الذهبيه لان المأمون أمر كتابتها بماء الذهب لنفاستها.
ثم قام الفقيه الاندلسى المالكى المشهوره عبد الملك بن حبيب الالبيرى (174 – 238 هـ الموافق 790 – 358م) بجمع طائفه من الاحاديث النبويه تحت مسمى ( الطب النبوي) وأغلبها الطب العلاجى, ولكنه تطرق الى اخلاقيات مهنة الطب ومن له الحق فى الممارسه الطبيه وكيفية الاذن بالعمل الطبى, وتعرض لاجراء الفحوصات الطبيه مثل فحص البول (يسمى القاروره) الى غير ذلك من المواضيع الهامه.
وهو رساله صغيره فى حوالى 20 صفحه, قمت ايضا بشرحها شرحا موسعا ونشرتها فى كتاب حافل. ثم ظهر ابو بكر ابن السنى (المتوفى سنة 364 هـ) واصدر كتابا فى الطب النبوى وتبعه ابن نعيم الاصبهانى المتوفى (سنة 430) والمستغفرى (سنة 422هـ).
ثم ظهرت مجموعه كبيره من كتب الطب النبوى اشهرها كتاب الامام ابن القيم وهو فى الاصل فصل من كتابه العظيم (زاد المعاد فى هدى خير العباد), وكتاب الامام الذهبى. وقد نشرت قائمه بكتب الطب النبوى فى موضوع الوباء والطاعون وذلك فى مقدمة كتاب ( مارواه الواعون فى اخبار الطاعون ) للامام السيوطى. وهى قائمه تضم اكثر من سبعين كتابا فى موضوع الطاعون والامراض الوبائيه فقط. واذا تركنا جانبا هذه المكتبه الثريه فى مصنفات علماء المسلمين فيما يسمى الطب النبوى, سنجد ان اكثر اهتمام هؤلاء القدماء كان منصبا على الجانب العلاجى. وهو فى ظنى جانب صغير مما يمكن ان يطلق عليه الطب النبوى, على آيه وحديث.
ويمكن ان نقسمها الى الاقسام التاليه لتيسير دراستها وتبويبها: 1- الطب النبوى المتعلق بحفظ الصحه والارتقاء بها وتنميتها: وهو اوسع ابواب الطب النبوى ولم اجد احدا اهتم به من القدماء الا النزر اليسير (اثناء وضعهم كتب الطب النبوى العلاجيه) واهتم بعض المحدثين من الاطباء بهذا الجانب الشديد الاهميه ومن افضلهم فى هذا الباب الدكتور محمد ناظم نسيمى والدكتور نجيب الكيلانى رحمهما الله. ولكتاب هذه السطور اسهامات فى هذا الباب (مثل سلسلة كتب سنن الفطره: الختان والسواك) وكذلك فعل الاخ الدكتور حسان شمسى باشا واصدر بعض الكتب الطبيه فى هذا الباب.
2- الطب النبوى العلاجى: وتشمل مواضيع كثيره مثل العسل والحبه السوداء والحناء والصبر والثفاء والسنا مكى ...الخ, والحجامه والكى وفيها العديد من الكتب. واذا تحدث الناس عن الطب النبوى تبادر الى اذهانهم هذه الاحاديث المتعلقه بالعلاجات المختلفه. ولم يوسعوا الدائره بل قصورها على هذه الاحاديث فقط.
3- الطب النبوى النفسى والروحى: وهو يتداخل مع موضوعات هامه مثل الصلاه والصيام والذكر وتلاوة القرآن وقوة الايمان, والحياه الزوجيه السليمه, والحياه الاجتماعيه السليمه (والبعد عن الربا وتأثيراته المدمره على المجتمعات). وموضوع الرقيه, ومعالجة الامراض النفسيه. ويدخل فى ذلك الممارسات الخاطئه فى مجال الرقيه واخراج الجن والعفاريت ومعالجة السحر والحسد والعين.. وما يحدث من مآسى باعتبار معظم الامراض ناتجه عن جن وسحر وحسد وعين ... الخ.
4- الطب النبوى المتعلق باحاديث العدوى وجوانبها الايمانيه والطبيه.
5- الطب النبوى المتعلق بموضوعات متعلقه بالعلوم الطبيه: التشريح, علم الاجنه وظائف الاعضاء ...الخ.
6- مخطوطات وكتب الطب النبوى: ودراسة هذه الكتب المخطوطه والمطبوعه والمحققه وغير المحققه... الخ. ولكاتب هذه السطور اسهامات كتابيه (مجموعه من الكتب والمقالات فى كل هذه الانواع).
7- اخلاقيات وقوانين مهنة الطب وبابها واسع فى الطب النبوى وهى تشمل المواضيع الطبيه الفقهيه والتى اهتمت بها المجامع الفقهيه اهتماما بالغا فى العقود الثلاثه الماضيه.
الموقف الفقهى من الطب النبوى: يشمل مفهومنا للطب النبوى ابوابا كثيره كما ذكرنا ومن اهمها الفوائد الصحيه للوضوء والاستنجاء والصلاه والصيام... الخ. وهذه كلها تندرج فى ابواب اخرى من كتب الاحاديث او الفقه وبالتالى لا تدخل عند من كتب الفقهاء والمحدثين والاطباء فى موضوع الطب النبوى. وهى لاشك من اساسيات الدين الاسلامى وفيها فروض ومندوبات كما ان هناك مباحات ومحرمات ومكروهات.. وكلها تندرج تحت باب من ابواب الفقه الواسع. ولكن اغلب العلماء والفقهاء والمحدثين عندما تحدثوا عن الطب النبوى اقتصروا على الطب النبوى العلاجى فقط.
الاول: يرى ان كل ما صح عن النبى محمد صلى الله عليه وسلم هو وحى يوحى, وانه صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى ويرون انه صلى الله عليه وسلم معصوم من خطأ الاعتقاد فى امور االدين, فان حصل منه خطأ صححه الوحى. ومن ذهب الى ذلك الامام ابن القيم فى كتابه الطب النبوى والامام الذهبى كذلك فى كتابه الطب النبوى ومنهم السبكى والمحلى والبنانى وغيرهم.
الثانى: يرى ان امور النبوه والعصمه مقصوره على امور الدين وان الرسول صلى الله عليه وسلم لك يبعث ليعلمنا تفاصيل امور الدنيا. ويذكرون فى ذلك حديث تابير النخل عندما اشار صلى الله عليه وسلم بعدم تأبيره فأثمر شيصا (ثمرا رديئا) فقال لهم انتم اعلم بامور دنياكم وهو حديث صحيح وبالتالى فلا يحمل اى شئ من الطب على الوحى وما جائ عنه انما يعبر عن معلوماته الشخصيه ومعلومات عصره وقد يخطئ فى ذلك وليس هو بمعصوم فى الباب قد يعرف غيره فى الطب اكثر مما يعرف هو فهو ليس بطبيب ولم يبعث لمداواة الاجسام بل لاقامة الدين والعقيده والشريعه. وفى حديث ام سلمه رضى الله عنها ان النبى صلى الله عليه وسلم قال : (انما انا بشر وانكم لتختصمون الى, ولعل بعضكم ان يكون الحن بحجته من بعض فاقضى له على نحو ما اسمع فمن قضيت له بحق اخيه شيئا فلا ياخذه فانما اقطع له قطعه من نار) (اخرجه البخارى فى صحيحه) وفى حديث ابن عباس قال صلى الله عليه وسلم :( انما انا بشر فما حدثتكم عن الله فهو حق وما قلت فيه من قبل نفسى فانما انا بشر اخطئ واصيب) ومن ذلك ما ذكره ابن اسحاق فى سيرته فى سياق غزوة بدر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل منزلا فقال له الحباب ابن المنذر: يا رسول الله ارأيت هذا المنزل امنزلا انزلكه الله ليس لنا ان نتقدمه ولا نتاخر عنه ام هو الراي والحرب والمكيده؟ فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: بل هو الراى والحرب والمكيده فقال: يارسول الله فان هذا ليس بمنزل فانهض حتى تاتى ادنى ماء من القوم فننزله ثم نغور ما وراءه من القلب ثم نبنى عليه حوضا فنملؤه ماء ثم نقاتل القوم فتشرب ولا يشربون. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اشرت بالرأى.
وممن قال بهذا القول القاضى عبد الجبار وابن خلدون والقاضى عياض وولى الله الدهلوى ومن المعاصرين الشيخ محمد ابو زهره فى كتاب (تاريخ المذاهب الاسلاميه) والشيخ عبد الوهاب خلاف والشيخ على الطنطاوى والشيخ عبد الجليل عيسى ...الخ. وقد قام الشيخ الدكتور محمد سليمان الاشقر باستعراض مختلف الاقوال فى بحثه القيم (مدى الاحتجاج بالاحاديث النبويه فى الشؤون الطبيه والعلاجيه ) المقدم لمؤتمر الطب السلامى الرابع المنعقد فى اسلام آباد فى باكستان واصدار المنظمه الاسلاميه للعلوم الطبيه بالكويت وانتهى الباحث الى تقسيم الاحاديث الوارده فى الطب الى الاقسام التاليه: 1- الاحاديث الوارده فى حكم اصل العمل بالطب والمعالجات وتناول الادويه فهذه واجبة الاتباع لانها تشريع وفيها احكام التداوى وموضوع التوكل............الخ
2- الاحاديث المتعلقه بمن يقوم باجراء التداوى وجواز تطبيب النساء للرجال والعكس والمسلم للكافر والعكس واحاديث عيادة المرضى ومنع التداوى بالخمر والمحرمات والنهى عن بعض انواع العلاجات وكلها واجبة الاتباع بصوره عامه
3- احاديث متعلقه بانواع من العلاجات والممارسات التى كانت سائده فى عصره صلى الله عليه وسلم وهذه تتغير بتغير الزمان ويمكن تجربتها والبحث عن فوائد ها واضرارها ....الخ كما يبحث اى ماده اخرى
5- آحاديث توافقها نصوص قرآنيه مثل شفاء العسل فهذه مدعومه بالقرآن ولا مجال لانكارها
6- معالجات ذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم وذكر ان جبريل اخبره بها وان الله يحبها فهذه كذلك تدخل فى باب الوحى فاذا صحت الروايه والسند فتدخل فى باب الوحى والا كانت مثل الاحاديث الاخرى التى لم تصح او التى كانت درجتها ضعيفه فتأخذ حكمها وهناك احاديث كثيره فى كتب الطب النبوى اما انها ضعيفه او متروكه او موضوعه وهذه لا حجه فيها قط.
7- آحاديث متعلقه بالعدوى والطاعون والجذام وهى متعلقه الى حد كبير بجانب الاعتقاد ولهذا تاخذ اهميه خاصه ويتم قبولها اذا صحت سندا وكثير منها صحيح بل فى اعلى مراتب الصحه
ويرى الشيخ الفاضل الدكتور محمد سليمان الاشقر ان الاحاديث المتعلقه بانواع العلاجات والممارسات التى كانت فى عصره واقرها الرسول صلى الله عليه وسلم لا تترك بالكليه بل تبحث فان ثبتت جدواها اعتمدت وان ثبت عدم جدواها وعدم فاعليتها تترك ولا حرج فى ذلك وهو فى ظنى قول عدل وفيه انصاف وحكمه واما ما نراه من ممارسات فاغلبهاالى الشعوذه اقرب وخاصه الممارسات المتعلقه باخراج الجن وانواع الرقى ومعالجة السحر والعين ...وحتى الممارسات المتعلقه بالاعشاب او الحجامه او الكى فعلى اهميتها الا انها ينبغى ان تدرس دراسه واضحه ولا تترك لمن هب ودب ولابد لها من تقنين وتنظيم وايجاد دراسه خاصه لهذا الفن من الممارسات الطبيه ويكون مدعوما بالابحاث العلميه التى توضح مدى فاعليته.